أخبار محليةدراسات وتحليلاتمقالات رأي

عثمان ميرغني يكتب : الحل السياسي.. ما سياسي

أحزاب سياسية انقرضت في بلادها.. لكنها بكامل عنفوانها الثوري في السودان.. الحزب الشيوعي .. حزب البعث (تتوفر منه خمس نسخ في السودان).. الحزب الناصري (تتوفر من ثلاث نسخ).. اللجان الثورية (عدة نسخ).. وغيرها.. و يكاد ينفرد السودان بين الأمم بأنه من بين كل عشرة مواطنين، تسعة من الناشطين سياسيا أو الساسة المحترفين.. و مع ذلك فإن النتيجة التي لا يجادل فيها أحد أن القطاع السياسي سبب تخلف البلاد وتبلدها الحضاري.
رغم أن الأحزاب السياسية في السودان نشأت قبل الدولة نفسها.. مجموعة الأشقاء بدأت نشاطها في العام 1943.. حزب الأمة “القومي” تأسس في 1945، الحزب الشيوعي 1951 وغيرها.. بينما ولدت الدولة السودانية مع الاستقلال في الفاتح من يناير 1956.
و مارس الشعب السوداني الانتخابات الديموقراطية قبل عامين من الاستقلال في نوفمبر 1953.. و تشكلت أول حكومة وطنية و أول برلمان في 1954..
مع كل هذا الزهو التاريخي.. ظل السودان يعاني من الرهق – لم أقل المراهقة- السياسي طوال عمره المديد.. ولا يبدو في آخر النفق ضوء شمعة.. الممارسة السياسية لاتزال فطيرة شكلا ومضمونا.. مؤسسات حزبية ضعيفة بهياكل تنظيمية هشة وصورية.. و تصر على أن تحكم البلاد وتسيطر على مصائر الشعب السوداني المكلوم في وطنه الكبير.
الحـ؛رب الراهنة في السودان سياسية بامتياز وصراع على السطلة مهما تدثر بالشعارات.. و الخروج من هذا الوضع يتطلب معالجة سياسية.. غير سياسية..

كيف؟ سأوضح لك.
اعادة ترسيم هياكل الدولة السودانية يحتم افراغ السياسة من المحفزات التي تجعل الجميع يتطلعون لحيازة بطاقة “سياسي”.. لما فيها من مزايا تجمع بين السلطة والثروة بلا مخاطر المسؤولية.
نفصل أقدار الوطن والمواطن من أقدار السياسة والسياسي..نجعل ما للسياسة للسياسة.. وما للادارة للإدارة.. الساسة للحكم بشرط أن يكون الحكم محصورا في اطاره السياسي الأعلى في مجلس الوزراء.. و استحداث تشريعات تمنع التغول على العمل الاداري والخدمة المدنية الطبيعية.
وزير الزراعة سياسي.. يمثل الوزارة في اجتماعات مجلس الوزراء وأمام البرلمان.. لكن قلمه الأخضر لا يفرض قرارا ولا يحجب قرارا اداريا ولا يحرك جنيها ولا يعين موظف ولا يفصله.. كل ذلك من مهام الخدمة المدنية من درجة وكيل فما دون.
وزير الزراعة لا يعين محافظ مشروع الجزيرة.. تلك مهمة مجلس ادارة المشروع الذي هو مستقل تماما عن الوزير.
وزير التعليم العالي لا يعين مدير جامعة الخرطوم ولا يفصله ولا يتدخل في عمله.. فالوزير جاءت به محاصصة سياسية لموقع قد لا يكون مؤهلا له.. بينما مدير الجامعة وصل إلى مكتبه بعرق جبينه العلمي وقدراته الادارية و مؤهلاته الشخصية.
عندما تصبح المنافسة على الوظائف التنفيذية أكبر من الوظائف السياسية والسيادية.. هنا تصبح السياسة بلا حوافز ومزايا توجب امتشاق السيوف لأجلها.
لو طورنا تشريعاتنا ليكون سودان ما بعد الحـ؛رب بمثل هذا التصور.. ستفقد السياسة بريق السلطة والثروة الذي جعلها وظيفة أفضل من الاغتراب الدولاري.
وعندها يرتاح السودان من صراعات الساسة.. وتصبح الوظائف الدستورية فعلا تكليفا لا تشريفا.

التيار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى