المشهد السوداني: عن صراع الجيش والدعم السريع وتداعياته
سامي دفع الله إبراهيم
السودان حاليًا أحد أصعب الفصول في تاريخه الحديث، حيث تدور حربٌ طاحنة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
هذا الصراع المسلح ليس مجرد نزاع عسكري، بل يعكس تعقيدات سياسية واجتماعية وأبعادًا اقتصادية، باتت تهدد الاستقرار الداخلي، وتزيد من التدخلات الإقليمية والدولية في المشهد السوداني.
أسباب اندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع
النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدأ على خلفية تفاهمات حول دمج الأخيرة في صفوف الجيش، كجزء من الإصلاحات العسكرية التي تلت الإطاحة بالنظام السابق، إلا أن تلك المحاولات كشفت عن صراعات نفوذ طويلة الأمد.
وتُعد قوات الدعم السريع كيانًا عسكريًا شبه مستقل، يتمتع بقوة اقتصادية وسياسية هائلة، وهو ما جعل مسألة دمجها في الجيش قضية معقدة وصعبة التفاوض.
في أبريل 2023، انطلقت المواجهات المسلحة بين الطرفين، وأسفرت عن آلاف القتلى والجرحى، إلى جانب نزوح كبير للسكان وتدمير البنية التحتية في مناطق واسعة من السودان.
الصراع الذي بدأ كخلاف بين قادة عسكريين حول صلاحيات ونفوذ، أصبح سريعًا أزمة وطنية كبرى تضع السودان على شفا كارثة إنسانية واقتصادية، تهدد مستقبله السياسي.
تداعيات الصراع على الاقتصاد السوداني
الأزمة الحالية أثّرت بشكل مباشر على الاقتصاد السوداني، الذي يعاني بالفعل من أزمة خانقة. قبل اندلاع الحرب، كان السودان يواجه معدلات تضخم مرتفعة، وانخفاضًا مستمرًا في قيمة الجنيه السوداني، وتباطؤًا في الإنتاج الزراعي والصناعي، لكن مع تفاقم الأزمة العسكرية، توقف الإنتاج تمامًا في العديد من القطاعات، وتعرضت المنشآت الاقتصادية للتدمير والنهب، مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي.
تسببت الحرب أيضًا في تراجع حركة التجارة، سواء على المستوى الداخلي، أو مع دول الجوار، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل حادّ، مما زاد من معاناة المواطنين.
كما أدَّت العقوبات الاقتصادية الدولية وتقييد المعونات إلى تراجع كبير في حجم السيولة النقدية، ما يجعل الاستقرار المالي في السودان أمرًا شبه مستحيل في الظروف الحالية.
المالات السياسية للصراع ومخاطر تفتت السودان
الأزمة العسكرية بين الجيش والدعم السريع أثرت على التوازنات السياسية داخل السودان، حيث تجد القوى المدنية نفسها عالقة بين الطرفين. مع انهيار المحادثات السياسية ومحاولات التحول الديمقراطي، باتت المؤسسات السودانية عاجزة عن أداء دورها في تحقيق الاستقرار الداخلي.
ويخشى كثير من السودانيين من أن يؤدي استمرار الحرب إلى تصدع الدولة السودانية وتفككها إلى مناطق سيطرة منفصلة، حيث قد يسعى كل طرف لبسط نفوذه بشكل منفصل على أجزاء من السودان.
ويزيد من تعقيد المشهد انقسام مواقف القوى السياسية بين دعم الجيش أو الوقوف إلى جانب قوات الدعم السريع، فيما يتطلع بعض الفاعلين السياسيين إلى استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب فئوية قصيرة المدى، غير آبهين بمستقبل البلاد ووحدتها.
العلاقات مع دول الجوار والتدخلات الإقليمية
مع اندلاع الصراع المسلح، أصبحت الدول المجاورة في حالة ترقب وقلق. السودان دولة إستراتيجية تتشارك حدودًا مع سبع دول، بعضها يعاني من أزمات أمنية معقدة، مما يجعل النزاع الحالي يُثير مخاوف من امتداده إلى دول أخرى أو تأثيره على استقرار المنطقة بأسرها.
مصر، التي تعتبر أمن السودان جزءًا من أمنها القومي، تراقب الوضع من كثب وتسعى للحفاظ على استقرار حدودها الجنوبية. وتسعى القاهرة إلى دعم الجيش السوداني باعتباره شريكًا إستراتيجيًا طويل الأمد، ولكنها تحاول في الوقت نفسه ألا تنخرط مباشرة في النزاع لتجنب التورط في صراع داخلي.
إثيوبيا، التي تشترك مع السودان في ملف سد النهضة، تعيش أيضًا حالة توتر مع السودان على الحدود. النزاع الحالي قد يشكل فرصة لأديس أبابا لتعزيز موقفها، لكنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى حالة من الفوضى الإقليمية التي قد تمتد إلى داخل حدودها.
جنوب السودان، ورغم العلاقات التاريخية والتجارية مع الخرطوم، فإنه يعيش حالة حذر بسبب تزايد تدفق اللاجئين السودانيين نتيجة النزاع، ما يُشكل عبئًا إضافيًا عليه في ظل أزماته الداخلية.
أما على المستوى الإقليمي، فإن دول الخليج تعتبر من الدول المؤثرة في السودان، نظرًا لارتباطها بمصالح اقتصادية وأمنية فيه، وتسعى للتوصل إلى تسوية بين الأطراف المتنازعة؛ خاصةً لما يمثله استقرار السودان من أهمية لاستقرار البحر الأحمر.
التدخلات الدولية والأطراف الفاعلة
مع تزايد العنف وغياب أفق الحل، تجد القوى الدولية نفسها مضطرة للتدخل الدبلوماسي، بهدف وقف تدهور الوضع ومنع مزيد من الانزلاق نحو الفوضى. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يدعمان التحول الديمقراطي في السودان، يحاولان دفع الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات، لكن الانقسامات الداخلية والتجاذبات الإقليمية جعلت هذه المهمة بالغة الصعوبة.
من جانبها، تسعى روسيا للاستفادة من الأزمة السودانية لتعزيز نفوذها في أفريقيا، وخاصة في البحر الأحمر، بينما تتابع الصين الوضع بهدف حماية استثماراتها ومواردها من النفط والمعادن، وهي تدعو إلى استقرار البلاد دون الانحياز لأي طرف.
السيناريوهات المستقبلية والآفاق المحتملة
لا تزال مآلات الأزمة السودانية مفتوحة على سيناريوهات عدة، لكنها تبدو صعبة للغاية في غياب توافق سياسي داخلي، وفي ظلّ استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. يمكن تلخيص هذه السيناريوهات في التالي:
الحل العسكري: وهو الخيار الذي يسعى إليه كل من الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا في الأمد القريب؛ نظرًا لتوازن القوى بين الطرفين وصعوبة تحقيق انتصار حاسم لأي جهة.
التقسيم الفعلي للسودان: إذا استمرّ الصراع وتنامت الانقسامات، قد يتحوّل السودان إلى مناطق نفوذ منفصلة، ما يؤدّي إلى تقويض وحدة البلاد.
تسوية سياسية بوساطة دولية: وهو الخيار الذي يفضله المجتمع الدولي وبعض دول الجوار، حيث يسعى الوسطاء إلى إيجاد حلول سلمية تنهي الصراع العسكري، وتحافظ على وحدة السودان، لكن نجاح هذا المسار يتطلب مرونة سياسية من الأطراف السودانية، التي يبدو أنها غير مستعدة حاليًا للتنازل.
التحول نحو صراع إقليمي أوسع: قد يسهم النزاع في السودان بتعميق التوترات الإقليمية، وخاصة في منطقة القرن الأفريقي، مما يزيد من احتمالية تورط أطراف خارجية بشكل أكبر في النزاع، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية بالوكالة.
السودان على مفترق طرق
الوضع الحالي في السودان يضع البلادعلى مفترق طرق، حيث يتطلب تجاوز الأزمة العسكرية والسياسية توافقًا داخليًا غير مسبوق، وإرادة حقيقية من القوى الإقليمية والدولية للحفاظ على استقرار البلاد. يبقى الأمل في أن يتوصل الفرقاء السودانيون إلى حل يضمن استقرار السودان، ويؤمن مستقبلًا أفضل لشعبه، بعيدًا عن شبح التقسيم والحرب المستمرة.
نقلاً عن الجزيرة نت