السودان : محاكمات على أساس قبلي ..اخرها طالب ثانوية قدم الى الشمالية لامتحانات الشهادة
تحتوي المحاكم في المناطق التابعة للجيش السوداني على محاكمات تتعلق بخطاب الكراهية المستند إلى الأسس القبلية، مما يشكل تهديدًا لوحدة البلاد وتماسكها، وفقًا لآراء الخبراء. ينتظر الطالب عمر أحمد عبدالهادي، الذي يبلغ من العمر حوالي 20 عامًا، نقله إلى سجن مدينة دنقلا في شمال السودان، ليمضي عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، بعد أن اتهمته السلطات العسكرية بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
الطالب عمر يعد واحدًا من عشرات الحالات التي خضعت للمحاكمة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، حيث تم إصدار أحكام مختلفة بحقهم تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد، استنادًا إلى بيانات تشير إلى إدانتهم، والتي تتضمن في الغالب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو محادثات مع أصدقائهم. تم اعتقال مجموعة من المستنفرين في صفوف الجيش السوداني بمدينة القولد في الولاية الشمالية.
ومن بين هؤلاء الطالب عمر أحمد عبد الهادي، الذي جاء من كردفان من أجل الالتحاق بامتحانات الشهادة الثانوية التي حصرها السلطات في مناطق سيطرة الجيش فقط، ليصعق حين يُلقى به في السجن بدلاً من التوجه إلى مقاعد الدراسة.
ذكر والد الطالب السجين لموقع “إرم نيوز” أن ابنه تم محاكمته بسبب محادثات عادية عبر “واتساب” مع أصدقائه، حيث خضع للمحاكمة بناءً على خمس مواد من القانون الجنائي، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام والسجن المؤبد. أكد أن ابنه سيتم ترحيله يوم الأربعاء من منطقة “القولد” إلى سجن في رئاسة الولاية الشمالية بمدينة دنقلا. وأوضح أنه كان من الطلاب المتفوقين في مدينة “الخوي” غرب كردفان، وقد جاء إلى الولاية الشمالية بهدف الدراسة والاستعداد لامتحانات الشهادة الثانوية التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم، والتي من المقرر أن تُعقد في ديسمبر المقبل في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش. وأوضح أنه قد أرسل جميع المستندات التعليمية لابنه إلى الولاية الشمالية بهدف تسجيله في سجل الطلاب الممتحنين هناك، وقد حصل على موافقة من وزارة التربية والتعليم التي أكدت تسجيله كأحد الطلاب الوافدين إلى الولاية الشمالية.
واقعة غفران
في واقعة مشابهة لقضية الطالب عمر أحمد عبدالهادي، أصدرت محكمة أخرى في مدينة كسلا شرق السودان، يوم الاثنين، برئاسة القاضي إبراهيم عبد المعروف، حكمًا بالإعدام على المواطنة غفران عثمان موسى آدم، البالغة من العمر 21 عامًا، بعد اتهامها بالتعاون مع قوات الدعم السريع. أوضح أحد أفراد عائلة غفران لـ”إرم نيوز” أن أحد الأدلة التي استندت إليها المحكمة في حكمها هو “منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يحمل اسمها ويترحم على أحد قادة قوات الدعم السريع الذي قُتل خلال الصراع الحالي في السودان”. واستطرد أن غفران انتقلت من ولاية الخرطوم إلى ولاية سنار مسقط رأس والدها، قبل أن تنتقل مرة أخرى إلى ولاية كسلا في سعيها للعثور على الأمان، حيث تم اعتقالها هناك ومحاكمتها بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.
أحكام سياسية
وعلقت المحامية رحاب مبارك سيد أحمد، عضو المكتب التنفيذي لمجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية، على هذه الأحكام قائلة لـ”إرم نيوز” إن “هذه أحكام ذات طابع سياسي، وإن القضاء الحالي هو قضاء مسيّر، وأن جميع أعضائه يتبعون حزب المؤتمر الوطني الحاكم خلال فترة الرئيس السابق عمر البشير”. وأشارت إلى أن “سطحية هذه القرارات تعكس مدى تآمر النيابة والجهات الأمنية وبعض القضاة ضد العدالة ونزاهة النظام القضائي”. أكدت مبارك أن هذه المحاكمات تؤسس لخطاب الكراهية والتمييز الجهوي، حيث تعتمد على الأسس القبلية والعنصرية، مما يشكل تهديداً لوحدة وتماسك البلاد. يشير إلى أن جميع الأشخاص الذين تم محاكمتهم في الفترة الأخيرة أمام المحاكم التابعة لسلطات الجيش السوداني هم من كردفان ودارفور، وينتمون إلى فئات اجتماعية يُصنفها الجيش كحاضنات لقوات الدعم السريع.
أسباب عنصرية
كتبت المحامية رحاب مبارك على صفحتها في موقع “فيسبوك” منشورًا بعنوان “ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء”، حيث استعرضت فيه تفاصيل محاكمة المواطنة غفران عثمان في مدينة كسلا بشرق السودان. أفادت بأن القاضي إبراهيم عبد المعروف أصدر حكمًا بالإعدام شنقًا على المتهمة غفران عثمان آدم موسى، البالغة من العمر 21 عامًا، والتي تم القبض عليها منذ شهر يوليو الماضي، وذلك لأسباب قبلية وعنصرية بحتة. حيث قام القاضي بتكوين رأي مسبق عن المتهمة، معتمدًا على معرفته الشخصية وآراء الناس العامة، مستندًا إلى اعتقاد بأن قبائل “الميما” من ضمن حواضن قوات الدعم السريع. وأشارت إلى أن القاضي قال لوالد المتهمة حرفياً: “ابنتك تتواصل مع قوات الدعم السريع لأنها من قبيلة الميما، وأعلم أن جميع أفراد القبيلة يدعمون قوات الدعم السريع باستثناء صديق ودعة، حيث أن سلطان قبيلة الميما متحالف مع البرهان”. أشارت الحقوقية رحاب مبارك إلى أن “هذا القاضي يعكس بشكل واضح طبيعة القضاة في هذه المرحلة، الذين تم توجيههم وتأهيلهم لأداء هذه المهمة، ويحكمون بناءً على آرائهم الشخصية، متجاهلين مبدأ حيادية القاضي من أجل تنفيذ أجندات من يقودهم”، كما قالت. أشارت إلى أن المواطنة غفران عثمان تواجه حكمًا بالإعدام بسبب اتهامات زائفة قدمها أفراد من الخلية الأمنية. وبيّنت أن غفران قد نعتت القائد في قوات الدعم السريع، علي يعقوب، بالرحمة على موقع “فيسبوك”، رغم أن محاميها أثبت أمام المحكمة، باستخدام خبير مستقل، أنها لا تملك صفحة على الموقع من الأساس. وسألت: “إذا افترضنا أنها قد دعت للرحمة، هل الدعاء بالرحمة للأموات يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالإعدام شنقاً؟”. وأضافت: “ما يجري في السودان بشكل عام وما يحدث داخل الأروقة القضائية يبعث على القلق ويزيد من الظلم المتراكم على الشعب السوداني الذي سئم الحرب اللعينة وتعب من مكائد المحرضين عليها”.