عادل الباز يكتب: طبول الصفيح (1)
1
كانت طبول الصفيح التي قرعتها (قحت) قبل الحرب تدوي حتى تكاد تصم آذاننا (يا الإطارى يا الحرب) وعندما وقعت الحرب بدأت ذات الطبول تغير من إيقاعاتها ولحونها (لا للحرب) وهكذا انتقلنا من التهديد بالحرب قبل وقوعها إلى الوقوف ضد الحرب بغرض التعمية على دعم الجنجويد تحت كدمول أو شعار (لا للحرب). ولكن هذا الشعار لم يوقف الحرب وظل فارغا معلقا في الهواء كأداة تخفي واسترزاق جديدة ولذا كان لابد من اكسابه زخماً كبيراً بتضخيم النتائج المترتبة على الحرب، أو قل الكوارث المتوقعة، وهنا بدأ العزف على الأوتار الميتة. كيف؟.
2
قالوا في بداية الحرب إنها ستتطور إلى حرب أهلية بين القبائل والإثنيات المختلفة في الوطن، ليه وكيف؟ ما في تفسير.. لم تتطور الحرب إلى حرب أهلية وحافظت على طبيعتها، تمرد من قوات كانت نظامية تحولت سريعاً إلى فرق نهّابة وتسعة طويلة لا غير.
قالوا إن الحرب ستقسم السودان وإلى الآن عام ونصف ليس هناك مؤشرات على مقدرة المليشيا وداعميها الدوليين و الإقليميين على تقسيم السودان وخاصة بعد فشل محاولاتهم للاستيلاء على الفاشر.
لجأوا إلى تهديد آخر وهو أن هذه الحرب ستتوسع لتشعل الحريق في كل دول الجوار اتضح أن هذه فرية أيضاً، عام ونصف ولم تصل الحرب إلى أي دولة حتى الدول الداعمة للتمرد تنعم بالأمان الآن.!!
وأخيراً تفتقت عبقريتهم على قصة جديدة وهي قصة المجاعة، كل يوم تقرير جديد يدعي أن مجاعة وقعت في السودان او هى لا محالة واقعة رغم أن الارقام تكذب هذا الإدّعاء كما سنرى ولكنهم مصرون عليه للتخويف.
3
كل هذه الأسباب التي يحشدونها هدفها واحد، وهو إيقاف الحرب الآن وبدون شروط، وبدون تنفيذ ماتم الاتفاق عليه في جدة، ليس حباً في السودان ولا رحمة بأهله ولكن لأن ايقاف الحرب الآن وبهذه الطريقة سيعيد تموضع المليشيا مرة أخرى في المؤسسة العسكرية والساحة السياسية مما سيعطى حلفاء الجنجويد أو عملائهم فرصة مجدداً للعودة للساحة على ظهر التاتشرات.!!. لنأتي الآن للتفاصيل. لماذا لم تندلع حرب أهلية في السودان كما توقعوا.؟
4
على الرغم من توفر الأسباب التسعة المعلومة التي تتسبب دائماً في اندلاع الحروب الأهلية في أفريقيا . (الحرب الأهلية هي نزاع مسلح يحدث داخل دولة واحدة بين مجموعتين أو أكثر من سكانها. هذه الحروب غالبًا ما تنشأ نتيجة للخلافات متعددة ثم تشهد اصطفافاً عرقياً أو جهوياً أو ديني أو ايدلوجي الأيديولوجية.) على الرغم من توفر تلك الأسباب إلا أن الحرب الأهلية في السودان لم ولن تندلع، لماذا.؟. لأنه ليس من بين كل تلك الأسباب سبب تمرد قوات نظامية على الجيش الوطني ويحمل خصائص الحرب الأهلية ولديه قابلية للتطور.!!. وذلك بسبب أن القوات المتمردة على الجيش الوطني كانت جزء منه، تحمل في جيناتها نفس تكوينات الجيش المتعددة الإثنيات والجهويات، فالجيوش الوطنية تتعدد فيها الأعراق والايدلوجيات إضافة للجهويات وكذلك الفصائل المتمردة عليها. ولذا حين يقع تمرد على الجيش ليس ممكناً اندلاع حرب أهلية بين الًثنيات المكونة للفصائل المتمردة وإلا سيفشل التمرد فوراً ولن يحقق أهدافه. ثم إن تمرد الدعم السريع تم بناءً على طموح سياسي غير مدعوم بفكرة أو أيدلوجية أو أعراق أو جهويات موحدة، وغير قابل للتطور بأي اتجاه.
5
الدعم السريع بداخله مسيرية وزريقات وبنى هلبه واثنيات أخرى، وكذلك الجيش الوطني. فحين اندلع التمرد لم يتحول لحرب أهلية بين الإثنيات ولا حرب قبلية ولا حرب جهوية بسبب التكوين الإثني والقبلي والجهوي المتنوع داخل الدعم السريع والجيش ولذا تجد المسيرية والرزيقات موجودين في المعسكرين المتقاتلين ولهذا رغم توفر الأسباب الأخرى لم تتحول الحرب إلى حرب أهلية.
6
هناك فرصة واحدة لتحول هذه الحرب إلى حرب أهلية، وهي في حالة انهيار الدولة كلياً، وقتها فقط هناك إمكانية كبيرة للتحول في طبيعة الحرب، أما إذا ظلت الدولة موجودة ومتماسكة فليس ممكناً أن نشهد حرباً أهلية في السودان. وهذه تجربة رواندا بعد انهيار الدولة ولبنان ويوغسلافيا وما منع انزلاق إثيوبيا إلى الحرب الأهلية إبان حربها الأخيرة هو أن الدولة الاثيوبية ظلت متماسكة ولم تنهار، فتمرد قوات التقراي والأمهرا لم يقود تلقائيا إلى حرب أهلية بسبب تماسك الدولة ولولا ذلك كان يمكن أن نشهد حروباً أهلية لا تحصى بأثيوبيا بين كل الاثنيات والأقاليم بل والأديان. ولذا فالذين ينتظرون حرباً أهلية بين السودانيين عليهم انتظار انهيار الدولة كلياً أولاً وهذا ما لن يحدث بإذن الله، رغم مكائدهم التي تزول منها الجبال. نواصل