مقالات رأي

صوت السودان المخنوق

أبية الريح

 

 

السودان اليوم ينزف، لا من جراح غائرة فحسب، بل من كابوس دائم ينهش ما تبقى من نبض. على هذه الأرض، صار الموت حرفة والخراب عادة، كل ذلك بسبب أطماع مريضة. من كان يظن أن بلدًا غنياً بثقافته وشعبه يتحوّل إلى ملعب نزاعات تتكدّس فيه الجثث كل يوم، بينما من في السلطة يتفاوضون وكأن الشعب لا يعدو عن كونه رقماً في إحصائية.

كفى؛ صرخة هذه الأرض المخنوقة لم تعد تُحتمَل، صرخةٌ سئمت وعود العسكر وحيلهم، أولئك الذين يمضغون الحِلم الوطني ويتاجرون بدموع الناس وأنّاتهم. تحوّل السودان في يدهم إلى سلعة، رهنوها من أجل مصالحهم الصغيرة. يتقاتلون على ما يعتقدونه “سلطة”، بينما الحقيقية هي خراب يُراد به ابتلاع كل ذرة أمل في هذا الوطن.

أي سلطة هذه التي تشترط سحق مواطنيها كي تنجح؟ هل هناك نظام يستحق أن يضحي بحياة أهله؟ هؤلاء الذين يسيرون بلا ضمير، أيادٍ تلطخها دماء الأبرياء، لا يسعون لسلطة ولا نفوذ فحسب، بل يسعون لمزيد من الخراب. يتبجّحون بالوطنية، ويتخذون من السودان غطاءً لأطماع شخصية. هؤلاء لا يُشترى منهم سوى الموت، ولا يُقدَّم منهم سوى الخراب. الوطن لا يعنيهم، بل يُصوَّر لهم كصفقة أو مشروع استثماري.

منذ متى كان المواطن السوداني بلا صوت، بلا وزن، يقتل ويشرد في صراعات لا يعرف فيها له ولا عليه؟ منذ متى أصبح هذا البلد خاضعاً لهؤلاء الذين يشترون كراسيهم على حساب الأرواح؟ لا يهمهم سوى الفوز بزمام السلطة ولو كان الثمن دماءً تسيل في الشوارع، قرى تُدمَّر، وأجيال تُمحى.

الحرب ليست مسرحية عبثية يمكن أن تقام على حساب الناس، وليست خلافاً يمكن التراجع عنه عند النهاية، بل هي طاعون دمّر حياة آلاف السودانيين. كلما اشتعلت حرب، تكبّد المواطنون المزيد من المعاناة، وتشردوا، وفقدوا أسرهم، وأصبحت حياتهم عالقة في نزاعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يجب أن يُدرك هؤلاء أن السودان ليس ساحة لتحقيق مصالحهم أو طموحاتهم الزائفة.

كفانا شعارات! كفانا وعودًا مزيفة! المواطن السوداني لا يحتاج خطابات مغلّفة بعبارات منمقة، ولا مسرحيات تُسدل عليها ستائر الخداع. نحن بحاجة إلى حقيقة، بحاجة إلى سلام يعيد للأرض احترامها، وللناس كرامتهم، سلام لا تُمسك بزمامه قوى تتاجر به.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى