زين العابدين عبد الرحمن يكتب: الجيش يسحب ميثاق المقاومة من الشيوعي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن الجيش بدأ يتحدث في السياسة، و يضخ أفكارا في الساحة السياسية، و قد راقت له فكرة ميثاق لجان المقاومة، والتي تنادي أن يكون الحكم من قواعد الأحياء صعودا إلى المركز، وبما أن الحرب أحدثت تغييرا كبيرا في الساحة السياسية، ونبعت فكرة المقاومة الشعبية لكي تسد الفارق الأمني لحماية المناطق السكنية من عمليات الميليشيا في النهب والسرقة والاغتصابات وغيرها، أصبح هناك تدافع كبير من الجمهور للانخراط في المقاومة الشعبية، وأغلبيتهم من الشباب.. إن فكرة لجان المقاومة التي ظهرت في الفاشر بهدف حماية المدينة، و التلاحم الشعبي مع الجيش والحركات المسلحة لحماية الفاشر التي أوقفت زحف ميليشيا الدعم السريع من مهاجمة شمال دارفور، انتقلت الفكرة إلى جميع أقاليم السودان حيث وجدت رواجا كبيرا وسط الشعب وخاصة الشباب.. لذلك فكرة الجيش أن يصبح هؤلاء هم العمود الفقري للعملية السياسية القادمة في البلاد، لأن هؤلاء سوف يكونون غير حاملين للإرث الثقافي السياسي السالب الذي قاد البلاد للفشل.. وبذلك يريد أن يربط لجان المقاومة التي ظهرت في ثورة ديسمبر بفكرة المقاومة الشعبية وهؤلاء سوف يشكلون نواة الجمهورية الجديدة في السودان.
الملاحظ أن الفريق أول ياسر العطا عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش يتحدث باسم الوظيفتين وبالتالي تصبح هذه رؤية الاثنين معا وخاصة الجيش.. الجيش استطاع أن يتجاوز الثلاث مراحل التاريخية السابقة في السياسة السودانية.. المرحلة الأولى الرئيس عبود وهي حكم عسكري صرف.. والمرحلة الثانية حكم الرئيس نميري والذين كانوا ينظرون للسياسة سياسيون من الحزب الشيوعي والقوميين العرب.. والمرحلة الثالثة الرئيس البشير والذين كانوا ينظرون للسياسة من الإسلاميين.. هذه المرحلة نجد أن العسكريين وحدهم يريدون أن ينظروا لمرحلة ما بعد الحرب، ومن خلال ضخ الأفكار للساحة السياسية.
إن واحدة من إفرازات السياسة الإيجابية قبل 15 إبريل 2019م كان مشروع ميثاق سياسي تقدمت به بعض لجان المقاومة.. والآن يريد الجيش أن ينفذ من خلال المقاومة الشعبية والتي تضم كل الأطياف السياسية، والذين انخرطوا في المقاومة الشعبية توكل إليهم عملية انتخاب قيادتهم في الأحياء.. والمنتخبين هؤلاء مع المنتخبين في الأحياء الأخرى ينتخبون القيادة في الولاية.. والمنتخبون في قيادة الولايات هؤلاء يقع عليهم عبء انتخاب قيادة مركزية، وهؤلاء يقع عليهم عبء ترشيح رئيس الوزراء وبقية الحكومة ويقدم الترشيح لرئيس مجلس السيادة.. كما يقع على المنتخبين في الولاية عبء انتخاب الوالي والمجلس الشعبي في الولاية.. والمنتخبين في الأحياء يقع عليهم عبء انتخاب مجالس الأحياء.. وتنتقل البلاد بعد ذلك للشرعية المنتخبة.. هذه العملية التي تبدأ من الأحياء إلى المركز سوف تؤدي إلى بروز قيادات جديدة شابة لها طريقة تفكير جديدة.. تتجاوز كل تاريخ الفشل الماضي.. وتتجاوز حتى المشاحنات السياسية عبر كل تلك السنين لتخلق واقعا جديدا، هذه العملية إذا تمت هي التي تبلور الفكر الفلسفي للديمقراطية حيث الكل يكون واعٍ لحقوقه وواجباته التي يجب أن يقوم بها.
وأيضاً العطا طرح فكرة أخرى إذا كانت المقاومة الشعبية تريد أن تسرع بالعملية السياسية أن ترشح رئيسا للجمهورية ويتم الانتخاب.. إن الخيارات تبين مرونة الفكرة، وفي نفس الوقت الانتقال بالديمقراطية من القواعد، كانت الفكرة السابقة أن الأحزاب السياسية تختار ممثليها والقواعد ليس لها إلا أن تذهب وتختار من هؤلاء النخب الآن القواعد هي التي تفرز قياداتها وهذه لا تمنع الأحزاب المشاركة في الاختيار من عضويتها في الأحياء، أن التثقيف الديمقراطي عندما يبدأ بالأحياء والقواعد هؤلاء نفسهم لن يوافقوا أن يكون هناك رئيسا للحزب مدى الحياة أو عشرات السنين تتغير قيادات الأحزاب كل انتخابات وفقا لرؤية القاعدة، هذه العملية هي التي تسرع بإنتاج الثقافة الديمقراطية وتتحول من قواعد قانونيين ولوائح إلى ممارسة وسلوك طبيعي.
إن ما جاء على قناة الحرة أن الخارجية الأمريكية تعكف على منع دخول السلاح إلى السودان من الغرب.. وتعد خطوة جيدة للإسراع بنهاية الحرب.. وأيضا سماع المبعوث الأمريكي توم بيريلو للشباب، وأيضا حركة العدل والمساومة التي قالت له يجب مشاركة كل القوى السياسية في الحوار ليكون حوارا سودانياً سودانياً وهي أيضا خطوة موفقة.. لكن التجارب تؤكد أن تدخل أي نفوذ خارجي في العملية السياسية السودانية تجر معها العديد من العقبات، وخاصة إذا كان الخارج يحمل أجندته لحفنة من الناس يريد أن يصعدهم وحدهم للسلطة.. وهذه الفكرة هي التي قادت للحرب.
إن الفكرة من حيث إنها تؤسس على ديمقراطية قاعدية فكرة جيدة وبعدها المستقبلي يخدم عملية الاستقرار السياسي ويمنع احتكارية المواقع، لأن الانتخابات تكون مرتبطة بمواقيت زمنية محددة قانونا ثم فيما بعد دستورا، وأيضا تحل مسألة الصراع على السلطة دون انتخاب شرعي.. هو التحدي المطروح على القوى السياسية هل تقبل وتدفع به مادامت الفكرة هي “الديمقراطية” أم تعارضه لأنها تريد أن تحكم دون شرعية، وفكرة السادة على العامة سوف تسقط تلقائياً.. لكن الفكرة إذا تم شرحها جيداً للشباب وأصبحوا هم يمثلون عمودها الفقري سوف تنتج حتما واقعا سياسيا جديا يتجاوز كل المرارات السابقة، ونسأل الله حسن البصيرة..